كان الضوء لا يزال مضاءً عندما سمعت صرخة. صرخة مدوية اخترقت سكون الليل. كان قلبي يخفق بعنف، وأذناي تطنان، لكنني قاومت الرغبة في البقاء تحت غطاء الحماية وتركت قدمي تلامسان الأرض. كانت الأرضية باردة.
كان منتصف الليل. كانت السماء لا تزال مظلمة بحزن مؤلم. كانت الرياح تتدفق عبر النافذة المفتوحة.
أصبح صوت الصراخ مزعجًا للغاية لدرجة أنني اضطررت إلى الركض لأرى ما يحدث.
في ثانية، تحولت الصرخات إلى زمجرة. قوبلت الصرخة المؤلمة بزئير عالٍ لوحش عظيم. توقفت. كادت قدماي تتعثران في سلسلة الدرج أمامي. لم يعد قلبي يخفق. لم أستطع سماع سوى النباح الغاضب، والعواء المجنون، والزمجرة الخطيرة. الكثير منها عرفته. الصوت الذي اعتدت عليه. لقد تعرفت عليه.
كان هناك قتال. في منتصف الليل.
لم تعد قدماي تركضان، مسرعتين لرؤية الفوضى في الأسفل. ترددت. اتخذت خطوات صغيرة. خطوات صامتة لدرجة أنني لم أستطع حتى سماع خطواتي.
واحدًا تلو الآخر، خفتت الصرخات. تحولت الزمجرة المهددة إلى صرخات حزن. الشوق للمس شخص ما، لرؤية وجه مألوف لشخص ما جعلني أسرع خطاي مرة أخرى.
انتشر الضوء من العتبة إلى القاعة الطويلة والمظلمة. شهقة فرت من فمي. أضاء كل شيء اللوحة التي لن أنساها أبدًا في حياتي. الذاكرة التي ستطاردني إلى الأبد. صنع الضوء خيوطًا رمادية مثالية في الأرضية الرخامية. وتألق بشكل مثالي.
يعكس الظلام والحمرة للموت.
كل الوجوه المألوفة التي اشتقت لرؤيتها كانت ملقاة على الأرضية الرخامية. لم يكونوا يتنفسون. أدركت كل شيء.
كانوا ميتين.
كل أفراد عائلتي كانوا ميتين.
رأيت أخي ملقى على وجهه في منتصف بركة من الدماء. كان منهارًا على الأرض وكأنه لا شيء. كان جسده مضروبًا باللونين الأسود والأزرق. لم أتعرف على الوجه الذي كان يعطيني ابتسامات دافئة، مثل وعد الغد. لم أعد أرى الوجه المذهل لأخ محبوب. كانت عيناه مفتوحتين. كانت صفراء وسوداء.
رأيت أخواتي مستلقيتين تواجهان بعضهما البعض. كانت أصابعهن تلمس بعضها البعض، كما لو كانتا تحاولان الوصول إلى بعضهما البعض قبل لحظات من مجيء الحاصد وأخذ أرواحهما الجميلة. لم يكونا يبتسمان، ولا يضحكان، ولا يعطيانني عناقًا دافئًا. لم يكونا الأختين التوأمين اللتين عرفتهما، لأن وجوههما الآن ممزقة وعيناهما مغمضتان.
ما زلت لا أفهم ما كان يحدث. توقفت، بينما كانت عيناي تتكيفان مع ضوء القمر المتسلل من خلال سلسلة من النوافذ الطويلة المقوسة. أستطيع أن أرى أن كل إطار من الإطارات مكسور، وقطعة من الزجاج جعلت قدمي تتجعدان في الداخل.
رأيت والدي ملقى على وجهه. لم أستطع رؤية الحالة التي كان عليها. لم أستطع أن أرى سوى أنه لم يعد يتنفس. لم تكن هناك همسات ناعمة من الحب. لم يتبق نفس واحد من جسده. كنت أعرف أنه لم يعد معي. لن يكون قادرًا على تخويفي بوقفته المهددة على مر السنين، ومع ذلك جعلني أشعر بالأمان.
شعرت أنه لم يعد بإمكاني التأخير، انطلقت على طول طريق المقاومة الذي جعل دمي يغلي. بدأ الالتفاف بداخلي في تحقيق اختراق. يمكنني أن أشعر بشيء يحاول القفز إلى الخارج، والانقضاض على كل شيء، وتدمير أي شخص وأي شيء.
لكنني أخذت قدمي وتجولت على طول القاعات. شعرت أن كل خطوة وكأن الموت يحوم فوقي، ويظلل كل حركة لي.
كنت وحدي. كنت مترددة في رؤية المحتوم، لكنني شققت طريقي أخيرًا بين القاعة المسودة والألواح الضبابية.
وعندما توقفت أخيرًا خارج منزلي مباشرة، حدث ذلك. ارتجفت، لكن عيناي لم تستطع الهروب من اللوحة المأساوية التي ستكون قريبًا زوالي.
تجاوزت عيناي البيئة، بحثًا، ومراقبة ما إذا كان الخطر المباشر لا يزال موجودًا.
كنت وحدي حقًا.
كانت تلك المظلة البعيدة تتوهج بأشعة الشمس والسعادة. الآن تتوهج بضوء شبح الموت.
كان الموت هنا، وأخذ كل شيء مني.
أرى والدتي، مستلقية بجانب المظلة. كان وجهها مصابًا بكدمات شديدة، والدماء تتدفق من فمها. لكن على الأقل كانت والدتي مغلقة عينيها. بدت وكأنها نائمة بهدوء، باستثناء عندما نظرت عن كثب، كان هناك جرح كبير في معدتها. هددت أجزاء جسدها الداخلية بالخروج. الأمل شيء خطير، لأنه ذات مرة في تلك الليلة، كنت آمل أن تكون والدتي لا تزال على قيد الحياة.
كانت ملابس المرأة ستكون جميلة لولا أنها كانت ممزقة من الجانبين. اكتشفت أن خطواتي كانت تتغير عندما رأيت حركة خافتة. منها. كان أمل واحد. أمل كسر قلبي وأعطاني القوة في نفس الوقت.
فتحت عيناها بضعف.
ضعفت ركبتاي، واستسلمت لي. في الرابعة من عمري، زحفت نحو والدتي. كانت الشهقات عالقة في حلقي، رافضة الخروج.
لم تكن هناك دمعة واحدة فرت منذ أن اكتشفت ذبح عائلتي.
على الرغم من الموقف، استطعت أن أرى أن شعر والدتي كان ناعمًا ورقيقًا. كان لا يزال يبدو كما لو كانت قد عدلته الليلة، على أمل المستقبل مع زوجها وأطفالها. كان ساطعًا بشكل مقنع مثل بشرتها، وبطريقة ما جعلته يبدو أكثر إشراقًا مما كان عليه بالفعل. لطالما أعجبت بشعرها. ارتجف ركن فمي بندم. تمكن شعرها من سرقة انتباهي، حتى عندما كان الدم يتساقط على صدغها.
"نورا"، خاطبتني، هامسة اسمي بلطف ومحبة. مدت يدها نحوي وأمسكت بها. كنت متمسكة بها وكأن حياتي تعتمد عليها. وكان ذلك صحيحًا. لقد اعتمدت على والدتي. بدونها، لم أكن شيئًا. كنت مجرد طفلة بلا قوة ولا روح.
بدونها، ليس لدي أحد.
"أنا سعيدة لأنني تمكنت من رؤيتك مرة أخرى"، قالت بسخرية. فرت سعال منها، وخرج المزيد من الدم من فمها. كان صوتها أعمق هذه المرة، وليس المرأة الناعمة التي أعرفها. بدت صغيرة جدًا، أصغر مما أتذكر. "نورا، يا طفلتي".
كان الفراغ يبحث داخل قلبي عن مأوى.
أومأت برأسي، لأن هذه قد تكون المرة الأخيرة.
"لا تستمعي إلى أحد أبدًا"، أكدت. يتجعد وجهها من الألم.
"أمي، من فضلك لا تتكلمي. ابقي هكذا فقط. سأذهب لإحضار المساعدة"، توسلت. لقد آلمني رؤية والدتي القوية تموت أمامي.
"لا. يجب أن أقول هذا"، أصرت، وضغطت يديها بقوة على يدي لدرجة أن اللون تسرب من مفاصلها. رأيت عروقها المتجعدة. "لكل باب، يجب أن تشقي طريقك للدخول. لكل حاجز، يجب أن تكسري طريقك للدخول. هناك دائمًا حقيقة في كل شيء. ابحثي عنها يا نورا. لقد قدر لك شيئًا ما. أنت شيء ما".
"أنا... أنا لا أفهم. ماذا تقولين؟" سألت بهزيمة. "ماذا تعنين؟" تساءلت بصوت عالٍ، لنفسي ولوالدتي. كنت قادرة فقط على طرح الأسئلة، وغير قادرة على الوصول إلى نتيجة.
ضغطت والدتي على يدي. "كل شيء ليس كما يبدو. أنت لست من تعتقدين أنك أنت. أنت مباركة بشيء ما".
"لكن يا أمي، يا أمي! ما هو... ما... يا أمي!" شيء عالق في حلقي. اختنقت بكلماتي. كان الهواء يسد جملي. لهثت. دفعت. لم ينجح الأمر. الشيء الوحيد الذي فر من فمي كان شهقة.
ثانية واحدة كانت كافية لها، ولكن في تلك الثانية الواحدة، نظرت إلي مباشرة في عيني. "ابحثي يا نورا. أنت لست من تعتقدين أنك أنت". لكن الجرح الهائل والنهائية أحدثا في النهاية ضربة قاتلة.
ماتت والدتي بين ذراعي.
يجب أن أتركها. فكرت.
شعرت بالتجمد في مكاني، وكذلك الوقت. كان كل شيء لا شيء. تحول الدم في عروقي إلى طين.
هل من الممكن أن يعيش شخص ما ولكنه يموت؟
كان عقلي يتسارع. من فعل هذا؟ لماذا عائلتي؟ ماذا حدث؟ إذا كانت عائلتي هي الضحية هنا، فأين الجاني؟
كانت هناك لحظة ألم صادق في رأسي. أردت أن أتقيأ، وأن أطهر أدلة كل هذا. أردت أن أستيقظ. أردت العودة تحت بطانيتي الأمنية. كنت أكثر اعتيادًا على ذلك لأنني كنت دائمًا الشخص الغريب، والشخص الضعيف، والشخص الذي يحتاج إلى الحماية.
لم أكن أحدًا.
تجمعت يدي في قبضات مهددة. أدركت أنني ما زلت أحمل جثة والدتي الميتة. أطلقتها على الفور، ليس بسبب الاشمئزاز أو الخوف. أطلقتها بسرعة كبيرة لأنني ما زلت لا أستطيع أن أصدق أن ما كان ذات يوم على قيد الحياة، قد مات الآن. سقطت والدتي، وتناثرت في الظلام فارغة وبعيدة جدًا لدرجة أنني لم أعد أستطيع الوصول إليها.
قاومت الرغبة في التقيؤ والوقوف منتصبة. كان لدي الكثير من الأسئلة الملحة. كلها تتنافس للهروب من لساني المتجمد.
لكنني ببساطة وقفت هناك في صمت.
الشعور. التمايل. السماح.
كلهم ميتون. كل من فعل هذا قد ذهب. لقد تركوا عائلتي تموت ولم يكلفوا أنفسهم عناء البقاء ورؤية ما بعد ذلك. مهما كان السبب، فقد كانوا يائسين للغاية لإنهاء كل فرد من أفراد عائلتي.
أخي. أخواتي التوأم. أبي.
أمي.
"أنت لست من تعتقدين أنك أنت". فشلت حقيقة هذا البيان في طمأنتي.
لن أعرف. لأنه طوال حياتي، قيل لي إنني لا شيء. لقد كنت فاشلة.
لم يقتلني الجاني، ربما لأن كل من هو، كان يعلم أنني لا شيء.
ليس لدي روح.
ليس لدي ذئب.
أنا وحدي.
"ابحثي يا نورا".
هذه المرة، كانت كلماتها أشبه بنفحة ريح لحريق غابة. كان تصوري للأشياء مشوشًا بالحزن والأسى. أخذت خطوة إلى الوراء. عما أبحث يا أمي؟
عن قاتل هذه العائلة؟
وقفت هناك وليس لدي سوى الأسى.
ولكن لماذا؟ كما لو كان بإمكاني فعل شيء ما. كما لو كانت لدي القوة، وروح الذئب بداخلي.
في المسافة، استطعت سماع آثار خطوات ناعمة. خفيفة جدًا.
أحتاج إلى شخص ألومه. شخص أعاقبه على هذه الخسارة المدمرة. ولكن لم يكن هناك أحد. لم أكن أرغب في الاعتراف بكل شيء. أردت التشبث بالأمل في أن أحبائي ربما ما زالوا على قيد الحياة.
حتى مع وجود جثث كدليل.
"أنا لا شيء". خرج صوتي مخنوقًا، بالكاد مسموعًا لأذني. "كل هذا خطأي لأنني لا شيء".
وفي تلك الأجزاء المظلمة من حياتي، فشلت في ملاحظة زوج من العيون الحمراء اللامعة، تفيض بين تجاويف الأشجار.
















