هَدَأَ المَطَرُ الجَوَّ طَوَالَ اللَّيْلِ، مُعْلِنًا وُصُولَ الخَرِيفِ.
لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُؤَكِّدُ مَا إِذَا كَانَ رَحِيلُ بَارُونَ فَوسْتَر قَدْ تَرَكَ الْأُمُورَ مُعَلَّقَةً أَمْ أَنَّ السَّمَاءَ ذَاتَهَا كَانَتْ تَبْكِي عَلَيْهِ وَعَلَى حَفِيدَتِهِ. أَمْطَرَتْ طَوَالَ اللَّيْلِ بِغَزَارَةٍ، وَبَقِيَتْ نَاتَالِي مَعَ خَادِمَيْنِ فِي قَاعَةِ الْعَزَاءِ لِمُرَافَقَةِ بَارُونَ حَتَّى الصَّبَاحِ.
"تَشَجَّعِي يَا نَاتَالِي، لَا تَحْزَنِي كَثِيرًا. رُبَّمَا هَذَا نَوْعٌ مِنَ التَّحَرُّرِ لِلسَّيِّدِ فَوسْتَر أَيْضًا"، قَالَتْ خُوَانَا لَانْدُور، الَّتِي جَاءَتْ لِتَقْدِيمِ وَاجِبِ الْعَزَاءِ مَعَ شِيرِي فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ.
"نَاتَالِي، لَا تَحْزَنِي. لَنْ يَرْتَاحَ السَّيِّدُ فَوسْتَر وَهُوَ يَرَاكِ هَكَذَا. هُوَ لَا يُحِبُّ أَنْ يَرَاكِ تَبْكِينَ. يَا حَبِيبَتِي، لَا زِلْتِ تَمْلِكِينَنِي". عِنْدَمَا رَأَتْ شِيرِي نَاتَالِي تَضْمُرُ طَوَالَ اللَّيْلِ، شَعَرَتْ بِأَلَمٍ فِي قَلْبِهَا وَعَانَقَتْ نَاتَالِي لِتُوَاسِيَهَا.
بَعْدَ الْعِنَاقِ لِلَحْظَةٍ، دَفَعَتْ نَاتَالِي شِيرِي بِبُطْءٍ وَانْحَنَتْ بِأَدَبٍ لِخُوَانَا لَانْدُور، الَّتِي شَعَرَتْ بِالْأَسَفِ عِنْدَمَا رَأَتْ مِثْلَ هَذَا الْمَشْهَدِ. كَوَّنَتِ ابْنَتُهَا وَنَاتَالِي عَلَاقَةً جَيِّدَةً مُنْذُ صِغَرِهِمَا. كَانَتَا غَالِبًا مَا تَخْتَبِئَانِ فِي غُرْفَةِ شِيرِي وَتَلْعَبَانِ. كَانَتْ خُوَانَا تُحِبُّ نَاتَالِي كَثِيرًا أَيْضًا. عِنْدَمَا كَبِرَتْ نَاتَالِي وَأَصْبَحَتْ سَيِّدَةً شَابَّةً رَشِيقَةً، أَرَادَتْ خُوَانَا أَنْ تُزَوِّجَ ابْنَهَا بِهَا، لَكِنَّهَا كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّ نَاتَالِي تَرَى ابْنَهَا كَأَخٍ أَكْبَرَ فَقَطْ.
بَعْدَ تَقْدِيمِ التَّعَازِي، غَادَرَتْ خُوَانَا، وَطَلَبَتْ شِيرِي الْبَقَاءَ مَعَ نَاتَالِي. لَمْ تَعْتَرِضْ خُوَانَا.
"أَيَّتُهَا الْفَتَاةُ الْمُتَمَرِّدَةُ، مَاذَا تُرِيدِينَ بِالضَّبْطِ؟ تُوُفِّيَ جَدُّكِ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ، وَلَمْ تُخْبِرِينِي حَتَّى. أَعْتَقِدُ أَنَّ لَدَيْكِ نَوَايَا سَيِّئَةً، مِثْلَ وَالِدَتِكِ تَمَامًا. دَعِينِي أُخْبِرُكِ..." الشَّخْصُ الَّذِي دَخَلَ كَانَ وَالِدَ نَاتَالِي، هَارِي فَوسْتَر، الَّذِي بَدَأَ فِي تَوْبِيخِ نَاتَالِي بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ.
"إِذَا كُنْتَ هُنَا لِتُغْضِبَ جَدِّي، فَرَجَاءً ارْفَعْ قَدَمَيْكَ النَّبِيلَتَيْنِ، وَالْبَابُ هُنَاكَ". نَظَرَتْ نَاتَالِي بِشَرَاسَةٍ إِلَى هَارِي فَوسْتَر، مَلِيئَةً بِالْكَرَاهِيَةِ وَخَالِيَةً مِنْ حُبِّ الْأَبِ وَالْابْنَةِ.
أَلْقَتْ عَلَيْهِ نَظْرَةً بَارِدَةً وَشَرِسَةً، مَلِيئَةً بِنِيَّةِ الْقَتْلِ، وَحَتَّى هَارِي انْدَهَشَ. كَانَتْ هَذِهِ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تَنْظُرُ فِيهَا نَاتَالِي إِلَيْهِ بِمِثْلِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّعْبِيرِ. كَانَتِ الْمَرَّةُ الْأُولَى هِيَ الْيَوْمُ الَّذِي قَفَزَتْ فِيهِ زَوْجَتُهُ السَّابِقَةُ مِنَ الْمَبْنَى.
كَانَ الْأَشْخَاصُ الَّذِينَ جَاءُوا لِتَقْدِيمِ وَاجِبِ الْعَزَاءِ فِي قَاعَةِ الْعَزَاءِ يَتَهَامَسُونَ مَعَ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ. كَانَ الْأَشْخَاصُ الْمُقَرَّبُونَ عَلَى عِلْمٍ بِوَضْعِ عَائِلَةِ فَوسْتَر. شَعَرَ الْبَعْضُ بِالْأَسَفِ عَلَى نَاتَالِي، بَيْنَمَا كَانَ الْآخَرُونَ هُنَاكَ لِلْمُشَاهَدَةِ فَقَطْ. بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَاطَفَ بِصِدْقٍ مَعَ شَخْصٍ آخَرَ.
لَمْ تُرِدْ شِيرِي أَنْ تَتَسَبَّبَ صَدِيقَتُهَا الْمُقَرَّبَةُ فِي إِحْدَاثِ مَشْهَدٍ مَعَ هَارِي أَمَامَ قَاعَةِ عَزَاءِ السَّيِّدِ بَارُونَ فَوسْتَر. فِي النِّهَايَةِ، كَانَتْ صَدِيقَتُهَا الْمُقَرَّبَةُ هِيَ مَنْ سَتَتَأَذَّى. خَطَتْ خُطْوَةً إِلَى الْأَمَامِ وَقَالَتْ: "يَا سَيِّدُ فَوسْتَر، لَقَدْ كُنْتَ هُنَا مُنْذُ فَتْرَةٍ. أَلَا يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُقَدِّمَ الزُّهُورَ وَتُوَدِّعَ السَّيِّدَ بَارُونَ فَوسْتَر؟ الْجَمِيعُ مِنْ حَوْلِنَا يُرَاقِبُونَ!"
لَمْ تَتَحَدَّثْ شِيرِي بِصَوْتٍ عَالٍ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، انْحَنَتْ بِقُرْبٍ مِنْ هَارِي، وَتَحَدَّثَتْ بِنَبْرَةٍ بَدَتْ وَكَأَنَّهُمَا الْوَحِيدَانِ اللَّذَانِ يُمْكِنُهُمَا سَمَاعُهَا. وَمَعَ ذَلِكَ، لَمْ تَكُنْ قَاعَةُ الْعَزَاءِ صَاخِبَةً فِي هَذَا الْوَقْتِ، لِذَا كَانَ يُمْكِنُ سَمَاعُ مُحَادَثَتِهِمَا مِنْ قِبَلِ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى مَقْرُبَةٍ.
بِسَبَبِ نُفُوذِ عَائِلَةِ لَانْدُور وَالْوَضْعِ الْحَالِيِّ، لَمْ يَرِدْ هَارِي إِحْدَاثَ ضَجَّةٍ كَبِيرَةٍ وَقَرَّرَ عَدَمَ الْمُجَادَلَةِ أَكْثَرَ.
كَانَ ثِيُو وِيلْسُون آخِرَ مَنْ وَصَلَ. بَعْدَ النَّظَرِ حَوْلَهُ، لَمْ يَرَ حَفِيدَهُ التَّافِهَ. مَشَى بِخُطُوَاتٍ رَشِيقَةٍ إِلَى قَاعَةِ الْعَزَاءِ لِتَقْدِيمِ وَاجِبِ الْعَزَاءِ.
"نَاتَالِي، بَعْدَ جَنَازَةِ بَارُونَ الْيَوْمَ، انْتَقِلِي إِلَى قَصْرِ أَدَارِي حَتَّى يَطْمَئِنَّ بَارُونَ"، اقْتَرَحَ ثِيُو وِيلْسُون.
"حَسَنًا، شُكْرًا لَكَ يَا سَيِّدُ وِيلْسُون". لَمْ تَرْفُضْ نَاتَالِي تَمَامًا، وَكَانَتْ تَأْمُلُ فَقَطْ فِي الْحَدِيثِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ غَدًا.
كَانَتِ السَّمَاءُ لَا تَزَالُ قَاتِمَةً، مَعَ سُحُبٍ كَثِيفَةٍ وَمُنْخَفِضَةٍ وَمُعْتِمَةٍ تُغَطِّي السَّمَاءَ. لَدَغَ النَّسِيمُ اللَّطِيفُ كَسِكِّينٍ حَادَّةٍ تَخْتَرِقُ قَمِيصَهَا الْأَسْوَدَ ذَا الْقُبَّعَةِ، مِمَّا جَعَلَ قَلْبَهَا يَشْعُرُ بِضِيقٍ مِنَ الْأَلَمِ.
فِي الْمَقْبَرَةِ، حَمَلَتْ شِيرِي مِظَلَّةً سَوْدَاءَ لِنَاتَالِي وَوَقَفَتْ بِهُدُوءٍ تَحْتَ الرَّذَاذِ.
"شِيرِي، اِذْهَبِي قُدُمًا. أُرِيدُ أَنْ أُجْرِيَ مُحَادَثَةً خَاصَّةً مَعَ جَدِّي". قَطَعَ صَوْتٌ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ حَازِمٌ الْهَوَاءَ الصَّامِتَ.
"حَسَنًا، خُذِي الْمِظَلَّةَ، وَسَأَنْتَظِرُكِ عِنْدَ سَفْحِ الْجَبَلِ". لَمْ تَرْفُضْ شِيرِي. كَانَتْ تَفْهَمُ نَاتَالِي جَيِّدًا جِدًّا، وَتَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُرِيدُ مُغَادَرَةَ جَدِّهَا وَأَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تُوَدِّعَهُ لِلْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ.
"خُذِي الْمِظَلَّةَ مَعَكِ. الْمَطَرُ لَيْسَ غَزِيرًا عَلَى أَيِّ حَالٍ. لَا تَقْلَقِي. جَدِّي هُنَا مَعِي. لَنْ يَدَعَ الْمَطَرَ يُؤْذِينِي".
فَجْأَةً أَصْبَحَتْ شِيرِي دَامِعَةَ الْعَيْنَيْنِ، وَتَشَوَّشَتْ رُؤْيَتُهَا وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى شَاهِدِ قَبْرِ بَارُونَ. اخْتَنَقَ صَوْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: "حَسَنًا، لَا تَبْقَيْ طَوِيلًا جِدًّا. الرَّذَاذُ بَارِدٌ قَلِيلًا. سَيَقْلَقُ السَّيِّدُ فَوسْتَر بِشَأْنِ مَرَضِكِ".
وَظَهْرُهَا مُوَاجِهٌ لِشِيرِي، لَمْ تُجِبْ نَاتَالِي. كَانَتْ فَقَطْ تَنْظُرُ إِلَى شَاهِدِ قَبْرِ جَدِّهَا دُونَ أَنْ تَرْمِشَ. لَمْ يَكُنْ لَدَى النَّقْشِ اسْمُ وَالِدِهَا هَارِي، وَلَكِنْ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَدَيْهِ اسْمُهَا كَحَفِيدَةٍ، نَاتَالِي.
اسْتَدَارَتْ شِيرِي. تَدَفَّقَتِ الدُّمُوعُ عَلَى وَجْهِهَا وَهِيَ تَنْزِلُ الْجَبَلَ.
كَانَتْ نَاتَالِي فِي الْمَطَرِ الضَّبَابِيِّ بِدُونِ مِظَلَّةٍ أَوْ مِعْطَفِ وَاقٍ مِنَ الْمَطَرِ. كَانَتْ فَقَطْ تَدَعُ الْمَطَرَ يُبَلِّلُ شَعْرَهَا وَيُرَطِّبُ خَدَّيْهَا.
كَانَ الرَّذَاذُ يُبَلِّلُ سَطْحَ شَاهِدِ الْقَبْرِ. وَظَلَّتْ تَمْسَحُهُ بِأَصَابِعِهَا النَّحِيلَةِ. "جَدِّي، لَيْسَ هُنَاكَ سِوَى أَنَا وَأَنْتَ الْآنَ. لِنَتَحَدَّثْ قَلِيلًا. عَلَيَّ أَنْ أَنْتَقِدَكَ الْيَوْمَ يَا جَدِّي. أَنْتَ فَظِيعٌ فِي اخْتِيَارِ الْيَوْمِ. طَقْسُ الْيَوْمِ مُرَوِّعٌ. أَرَدْتُ أَنْ أُوَدِّعَكَ فِي يَوْمٍ جَيِّدٍ، وَلَكِنْ لِأَنَّكَ مُؤْمِنٌ، كَانَ عَلَيَّ أَنْ أُنْفِقَ ثَرْوَةً لِلْعُثُورِ عَلَى عَرَّافٍ لَكَ. اُنْظُرْ إِلَيْكَ، تُسَبِّبُ الْمَتَاعِبَ دَائِمًا. إِذَا لَمْ نُحْضِرِ الْعَرَّافَ، لَكَانَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ. وَلَكِنْ، بَعْدَ التَّنْجِيمِ، انْتَهَى بِنَا الْأَمْرُ بِهَذَا الطَّقْسِ الْمُرَوِّعِ".
شَهَقَتْ، وَنَظَرَتْ إِلَى السَّمَاءِ الْمُظْلِمَةِ، وَكَظَمَتْ دُمُوعَهَا. "جَدِّي، أَنَا أَشْتَاقُ إِلَيْكَ كَثِيرًا بِالْفِعْلِ. لَا أُرِيدُ الْعَوْدَةَ إِلَى الْمَنْزِلِ بِدُونِكَ. يَحْتَوِي ذَلِكَ الْمَنْزِلُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الذِّكْرَيَاتِ الْجَمِيلَةِ لِلْطُّفُولَةِ لَا يُمْكِنُنِي التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَالْأَحْلَامِ. الْيَوْمَ، اقْتَرَحَ السَّيِّدُ وِيلْسُون أَنْ أَنْتَقِلَ إِلَى مَنْزِلِ صِهْرِكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ، وَلَكِنِّي لَسْتُ مُعْتَادَةً عَلَى الْعَيْشِ مَعَ غَرِيبٍ. مَاذَا عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ يَا جَدِّي؟" اتَّكَأَتْ نَاتَالِي عَلَى الْقَبْرِ كَمَا لَوْ كَانَتْ تَتَشَبَّثُ بِجَدِّهَا.
عِنْدَمَا كَانَتْ نَاتَالِي تَنْزِلُ مِنَ الْجَبَلِ، تَوَقَّفَ الْمَطَرُ. رُبَّمَا كَانَ هَذَا لِأَنَّ بَارُونَ فَوسْتَر كَانَ يَهْتَمُّ بِحَفِيدَتِهِ.
عِنْدَمَا وَصَلَتْ إِلَى سَفْحِ الْجَبَلِ، كَانَتْ سَيَّارَةُ شِيرِي لَا تَزَالُ مَوْقُوفَةً هُنَاكَ. فَتَحَتْ نَاتَالِي الْبَابَ وَجَلَسَتْ فِي الْمَقْعَدِ الْأَمَامِيِّ كَمَا لَوْ كَانَتْ سَيَّارَتَهَا الْخَاصَّةَ.
عِنْدَمَا وَصَلَتِ السَّيَّارَةُ إِلَى مَقَرِّ إِقَامَةِ فَوسْتَر، خَرَجَ الْخَادِمُ مُسْرِعًا وَقَالَ: "يَا آنِسَةُ، هُنَاكَ مُحَامٍ يَبْحَثُ عَنْكِ بِالدَّاخِلِ".
"هَا؟ هَلْ قَالَ شَيْئًا؟ لَمْ يُخْبِرْنِي جَدِّي بِأَيِّ شَيْءٍ".
"اِدْخُلِي وَأَلْقِي نَظْرَةً، فَقَطْ فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَ هَذَا شَيْئًا رَتَّبَهُ السَّيِّدُ فَوسْتَر. تَكَهَّنَتْ شِيرِي لَانْدُور بِأَنَّهُ لَا أَحَدَ آخَرَ سَيَأْتِي لِلْبَحْثِ عَنْ نَاتَالِي فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَبِالتَّأْكِيدِ لَيْسَ مُحَامِيًا. لَمْ يَكُنْ لَدَيْهَا أَيٌّ مِنْ أَصُولِ عَائِلَةِ فَوسْتَر بَيْنَ يَدَيْهَا، لِذَا لَا بُدَّ أَنَّهُ شَيْءٌ رَتَّبَهُ بَارُونَ.
"عَامَلَ بَارُونَ نَاتَالِي كَحَيَاتِهِ الْخَاصَّةِ، لِذَا لَا يُمْكِنُهُ بِأَيِّ حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ أَنْ لَا يَتْرُكَ لَهَا أَيَّ شَيْءٍ"، هَكَذَا فَكَّرَتْ شِيرِي.
كَانَ الرَّجُلُ يَرْتَدِي بَدْلَةً سَوْدَاءَ وَنَظَّارَاتٍ، وَيُظْهِرُ هَالَةً مِنَ الرُّقِيِّ وَالذَّكَاءِ. بَدَا وَكَأَنَّهُ فِي الْأَرْبَعِينِيَّاتِ مِنْ عُمْرِهِ وَأَظْهَرَ إِحْسَاسًا بِالِاحْتِرَافِ.
عِنْدَمَا رَأَى نَاتَالِي تَدْخُلُ، وَقَفَ وَقَدَّمَ نَفْسَهُ أَوَّلًا. "مَرْحَبًا يَا آنِسَةُ فَوسْتَر، أَنَا الْمُحَامِي الَّذِي وَكَّلَهُ السَّيِّدُ بَارُونَ فَوسْتَر، اِسْمِي آبُوت رَايْت، وَأَنَا هُنَا الْيَوْمَ لِتَحْقِيقِ أُمْنِيَةِ بَارُونَ الْأَخِيرَةِ".
لَمْ تُفَاجَأْ شِيرِي بِهَدَفِ قُدُومِهِ، وَكَانَتْ قَدْ خَمَّنَتْهُ حَتَّى قَبْلَ دُخُولِهِ.
"يَا سَيِّدُ رَايْت، تَفَضَّلْ بِالْجُلُوسِ. مَاذَا أَوْصَى جَدِّي قَبْلَ وَفَاتِهِ؟" سَأَلَتْ نَاتَالِي. جَلَسَتْ شِيرِي أَيْضًا بِجَانِبِهَا.
فَتَحَ آبُوت رَايْت حَقِيبَتَهُ السَّوْدَاءَ، وَوَضَعَ الْعَدِيدَ مِنَ الْمَلَفَّاتِ الْمُوَقَّعَةِ مِن قِبَلِ بَارُونَ فَوسْتَر عَلَى طَاوِلَةِ الْقَهْوَةِ، وَبَدَأَ فِي الشَّرْحِ: "الْمُسْتَنَدُ الْأَوَّلُ هُوَ اتِّفَاقِيَّةُ نَقْلٍ لِنِسْبَةِ 20٪ مِنَ الْأَسْهُمِ فِي مَجْمُوعَةِ فَوسْتَر. وَالثَّانِي هُوَ اتِّفَاقِيَّةُ التَّبَرُّعِ الْمَوْجُودَةُ حَالِيًّا لِهَذَا الْمَنْزِلِ. وَفْقًا لِقَوَانِينِ الْمِيرَاثِ، يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَمِيَ إِلَى وَالِدِكِ، وَلَكِنَّ السَّيِّدَ بَارُونَ فَوسْتَر لَدَيْهِ الْحَقُّ فِي تَوْزِيعِ مُمْتَلَكَاتِهِ. لِذَا، يَا آنِسَةُ فَوسْتَر، لَا دَاعِي لِلْقَلَقِ بِشَأْنِ أَيِّ نِزَاعَاتٍ. أَيْضًا، جَمِيعُ الْأَمْوَالِ وَالْأَسْهُمِ وَالنُّقُودِ فِي الْحِسَابَاتِ الْمَصْرِفِيَّةِ لِلسَّيِّدِ بَارُونَ فَوسْتَر تَنْتَمِي إِلَيْكِ الْآنَ. لَقَدْ قَامَ بَتَوْثِيقِهَا شَخْصِيًّا. حَتَّى إِذَا لَمْ تُوَقِّعِي الْيَوْمَ، يُمْكِنُنِي نَقْلُ كُلِّ شَيْءٍ إِلَيْكِ. عَلَيَّ إِكْمَالُ هَذِهِ الْمُهِمَّةِ لِبَارُونَ فَوسْتَر، لِذَا آَمُلُ أَنْ تَتَعَاوَنِي يَا آنِسَةُ فَوسْتَر". بَاعْتِبَارِهِ مُحَامِيًا مُخَضْرَمًا، كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ إِنَّ نَاتَالِي لَمْ تُقَرِّرْ أَنْ تَرِثَ بَعْدُ وَفَهِمَ كُلَّ تَصَرُّفَاتِ بَارُونَ فَوسْتَر.
"لِنُوَقِّعْ عَلَيْهِ الْآنَ. يَا آنِسَةُ فَوسْتَر، مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ تَتَّبِعِي أُمْنِيَةَ السَّيِّدِ بَارُونَ فَوسْتَر. قَبْلَ وَفَاتِهِ، قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً لِوَالِدَتِكِ وَأَنْتِ تَسْتَحِقِّينَهُنَّ".
"حَسَنًا". سَارَعَتْ نَاتَالِي بِالتَّوْقِيعِ وَالْخَتْمِ عَلَى كُلِّ صَفْحَةٍ. سُرْعَانَ مَا اسْتُكْمِلَتْ جَمِيعُ الْإِجْرَاءَاتِ.
"يَا آنِسَةُ فَوسْتَر، شُكْرًا لَكِ عَلَى تَعَاوُنِكِ. هَذِهِ الرِّسَالَةُ مُرْسَلَةٌ مِنْ قِبَلِ السَّيِّدِ بَارُونَ فَوسْتَر إِلَيْكِ. رَجَاءً اِعْتَنِي بِنَفْسِكِ وَتَقَبَّلِي تَعَازِيَّ"، قَبْلَ أَنْ يُغَادِرَ آبُوت مُسْرِعًا.
اُكْتُمِلَتْ مُهِمَّتُهُ. كَانَ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سَنَوَاتٍ عِنْدَمَا كَانَ فِي أَوَْائِلِ الْعِشْرِينَاتِ مِنْ عُمْرِهِ. أَصْبَحَ آبُوت رَايْت، الْمُحَامِي، لَاعِبًا كَبِيرًا فِي مَجَالِهِ مِنْ خِلَالِ قُدْرَتِهِ. جَعَلَهُ الْمَجْدُ وَالتَّأَلُّقُ الْمُفَاجِئَانِ فَخُورًا، وَأَدَّى الْفَخْرُ إِلَى الرِّضَا عَنِ النَّفْسِ. قَلَّلَ مِنْ شَأْنِ دَعْوَى قَضَائِيَّةٍ وَانْجَرَّ مِنْ عَلْيَائِهَا إِلَى الْحَضِيضِ. خَسِرَ قَضِيَّةً لِصَالِحِ طِفْلٍ ثَرِيٍّ، وَهَذِهِ الضَّرْبَةُ دَمَّرَتْهُ.
فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، اِقْتَرَبَ مِنْهُ بَارُونَ فَوسْتَر وَطَلَبَ مُسَاعَدَتَهُ فِي إِعْدَادِ وَصِيَّةٍ وَتَوْثِيقِهَا. "أَيُّهَا الشَّابُّ، لِمَاذَا تَدَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى الْقَضَائِيَّةَ تُسْقِطُكَ؟ لِمَنْ كُنْتَ تَعْمَلُ بِجِدٍّ طَوَالَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ؟"
نَظَرَ آبُوت إِلَى الشَّيْخِ الطَّيِّبِ الْوَجْهِ وَسَأَلَ: "مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدِي؟"
أَجَابَ بَارُونَ: "عَمِيلُكَ الْمُحْتَمَلُ. هَلْ لَدَيْكَ الثِّقَةُ لِتَوَلِّي الْقَضِيَّةِ؟"
بَعْدَ خَسَارَةِ الدَّعْوَى الْقَضَائِيَّةِ، لَمْ يَعُدْ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيْهِ بَعْدَ الْآنَ. جَعَلَ هَذَا آبُوت يَرَى بَصِيصًا مِنَ الْأَمَلِ. "بِالتَّأْكِيدِ!"
"هَمْم، يَبْدُو أَنَّ هُنَاكَ بَعْضَ الْأَمَلِ لَدَيْكَ"، قَالَ بَارُونَ.
بَعْدَ أَنْ أَنْهَى آبُوت جَمِيعَ الْمَهَامِّ مَعَ بَارُونَ فَوسْتَر، أَوْصَاهُ بَارُونَ: "لَا أُرِيدُكَ أَنْ تُعْطِي هَذَا الْفِيدْيُو لِحَفِيدَتِي. اِحْتَفِظْ بِهِ فِي خِزَانَتِكَ إِذَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَيْهِ أَبَدًا. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَشْيَاءِ الَّتِي تَحْتَفِظُ بِهَا مِنْ أَجْلِي، فَسَأَدْفَعُ لَكَ ثَمَنَهَا. أَيُّهَا الشَّابُّ، أَنْتَ مُمْتَازٌ، وَلَكِنَّكَ تَفْتَقِرُ إِلَى بَعْضِ الِاسْتِقْرَارِ. مَهْمَا بَلَغْتَ مِنْ مُسْتَوًى عَالٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لَا تَكُنْ مُتَغَطْرِسًا. يَجِبُ عَلَيْكَ دَائِمًا أَنْ تُفَكِّرَ فِي نَفْسِكَ لِتَصِلَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تُرِيدُهُ".
بِالتَّفْكِيرِ فِي الْمَاضِي، كَانَ آبُوت مُمتَنًّا حَقًّا لِبَارُونَ عَلَى تَوْجِيهِهِ وَمُسَاعَدَتِهِ عِنْدَمَا كَانَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِمَا.
بَعْدَ إِخْفَاءِ كُلِّ شَيْءٍ لِأَكْثَرَ مِنْ عِقْدٍ مِنْ الزَّمَنِ، أُكْمِلَتِ الْمُهِمَّةُ أَخِيرًا. الشَّيْءُ الْوَحِيدُ الَّذِي لَمْ يُعْطَ لِنَاتَالِي هُوَ الْبَنْدُ النِّهَائِيُّ. عَلَى مَرِّ السِّنِينَ، تَجَاوَزَ رَاتِبُ بَارُونَ وَثِقَتُهُ بِهِ مُتَوَسِّطَ رَاتِبِهِ. كَانَ آبُوت شَخْصًا مُمتَنًّا.
















