"أَ تَعِينَ أَنَّنَا نَقِفُ أَمَامَ حَشْدٍ مِنَ النَّاسِ؟" سَأَلَتْ نِيكُولُ الْأُومِيغَا الصَّرِيحَةَ الْوَاقِفَةَ أَمَامَهَا.
كَانَتْ مُرْهَقَةً. كُلُّ مَا أَرَادَتْهُ هُوَ الِانْسِلَالُ وَالْعُثُورُ عَلَى مَكَانٍ هَادِئٍ وَالِاخْتِبَاءُ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْحَفْلُ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْسِحَابِ إِلَى سَرِيرِهَا وَالنَّوْمِ. كَانَتْ تَشْعُرُ بِعَيْنَيْ شَيْنِ الْيَقِظَتَيْنِ تُرَاقِبَانِ كُلَّ تَحَرُّكَاتِهَا. لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هُوَ الْجُزْءَ الْأَسْوَأَ؛ فَقَدْ كَانَتْ تَشْعُرُ أَيْضًا بِنَظْرَةِ الْفَا لِيَامِ الثَّاقِبَةِ مُوَجَّهَةً نَحْوَهَا.
"اِسْمَعِي، لَا أَهْتَمُّ بِأَيِّ شَيْءٍ. أُرِيدُ فَقَطْ أَنْ تَعْرِفِي أَنَّنِي سَمِعْتُ عَمَّا فَعَلْتِهِ الْيَوْمَ فِي غُرْفَةِ الْمَلَابِسِ، وَأُرِيدُكِ أَنْ تَعْرِفِي أَنَّنِي لَا أَخَافُ مِنْكِ. لَا يُمْكِنُكِ تَرْهِيبِي كَمَا تَفْعَلِينَ مَعَ جَمِيعِ الْفَتَيَاتِ الْأُخْرَيَاتِ. تِلْكَ الْفَتَاةُ، نَسِيتُ اسْمَهَا، خَرَجَتْ تَبْكِي وَتَرْتَجِفُ مِثْلَ وَرَقَةِ شَجَرٍ. الْفَتَيَاتُ الْأُخْرَيَاتُ كَانَتْ لَدَيْهِنَّ رَدُودُ فِعْلٍ مُشَابِهَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ. أَنْتِ مَحْظُوظَةٌ أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ مَعَهُنَّ؛ لَكُنْتُ وَضَعْتُ حَدًّا لِهَذَا الْهُرَاءِ."
كَانَتِ الْفَتَاةُ الَّتِي تَقُولُ هَذَا تَفُوقُ نِيكُولَ طُولًا وَحَجْمًا. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَشَارِكُ عَادَةً فِي مُوَاجَهَاتِ شَيْنِ مَعَ الْفَتَيَاتِ الْأُخْرَيَاتِ، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ مَجْمُوعَتِهِنَّ. عَلَى عَكْسِ بَاقِي الْأُومِيغَاسِ، تَصَرَّفَتْ كَأَنَّهَا لَا تَخَافُ مِنْ لُونَا وُلْفِ نِيكُولَ.
اِفْتَعَلَتْ نِيكُولُ اِبْتِسَامَةً مُكْتَفِيَةً بِالْشَّفَتَيْنِ، وَبَذَلَتْ قُصَارَى جُهْدِهَا لِتَظَلَّ دِبْلُومَاسِيَّةً بِالنَّظَرِ إِلَى الظُّرُوفِ. كَانَتْ تَأْمُلُ أَنْ يَتَقَدَّمَ شَيْنِ وَيُدَافِعَ عَنْهَا فِعْلًا، وَلَوْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَيَاتِهِ، حَيْثُ كَانَتْ عَلَى حَافَّةِ الِانْهِيَارِ وَتُحَاوِلُ بِشِدَّةٍ تَجَنُّبَ إِحْدَاثِ ضَجَّةٍ. مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، لَمْ يَكْتَرِثْ ذِئْبُ نِيكُولَ. فَقَدْ تَاقَ إِلَى خَنْقِ الْفَتَاةِ.
"هَلْ تَعْرِفِينَ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُفْتَرَضِ أَنْ يَكُونَ اللَّونَا قَبْلَ وُصُولِكِ؟ كَانَ أَحَدُنَا، أَحَدُ أُولَئِكَ الْأُومِيغَاسِ الْمُتَدَنِّيَاتِ الَّتِي تَرَيْنَ هُنَا. كُنَّا نَعْرِفُ أَنَّ اللَّونَا وُلْفِ كَانَتْ بَيْنَنَا، لِذَا خَطَّطْنَا لِلِاقْتِرَابِ مِنَ الْفَا شَيْنِ. لَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرْتِ وَأَفْسَدْتِ كُلَّ شَيْءٍ، وَالْآنَ تَتَسَاءَلِينَ لِمَاذَا نَحْنُ نَمْقُتُكِ بِشِدَّةٍ. أَيَّامُكِ فِي هَذَا الْقَطِيعِ مَعْدُودَةٌ، لِذَا اِحْذَرِي وَرَاقِبِي كُلَّ خَطْوَةٍ تَخْطُيْنَ." اِخْتَتَمَتْ، وَقَلَبَتْ شَعْرَهَا وَابْتَعَدَتْ.
اِنْهَمَرَتْ عَلَى نِيكُولَ دَوَّامَةٌ مِنَ الْمَشَاعِرِ، غَيْرُ مُتَأَكِّدَةٍ كَيْفَ تَشْعُرُ أَوْ تَتَصَرَّفُ أَوْ تَرُدُّ. وَقَفَتْ مُتَجَمِّدَةً لِمَا شَعَرَتْ بِهِ كَأَبَدِيَّةٍ، وَقَدْ صُدِمَتْ تَمَامًا مِنْ التَّهْدِيدَاتِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنَ الْفَتَيَاتِ. لَمْ يُظْهِرْ زَوْجُهَا الْمُفْتَرَضُ أَيَّ مَيْلٍ لِلْمُسَاعَدَةِ أَوْ حَتَّى الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا.
بَدَا أَنَّ الْبَقَاءَ هُوَ سُلْوَاهَا الْوَحِيدَةُ، حَيْثُ تَذَكَّرَتْ قَسَمَ الدَّمِ الَّذِي أَدَّاهُ الْفَا شَيْنِ مَعَ وَالِدَيْهَا عِنْدَمَا أَخَذَهَا، مُسَدِّدًا دَيْنَهُمَا. كَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبَ الْوَحِيدَ الَّذِي جَعَلَهَا تَبْقَى عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ فِي هَذَا الْمَأْزِقِ الْخَطِيرِ.
تَرَكَ التَّفْكِيرُ فِي وَالِدَيْهَا طَعْمًا مُرًّا فِي فَمِهَا. وَبِالْمُقَارَنَةِ، وَجَدَتْ نَفْسَهَا تُفَضِّلُ شَيْنِ عَلَيْهِمَا، غَيْرَ قَادِرَةٍ عَلَى تَصَوُّرِ أَيِّ شَرٍّ أَوْ خِيَانَةٍ أَسْوَأَ مِمَّا اِرْتَكَبَهُ وَالِدَاهَا.
أَيُّ نَوْعٍ مِنَ الْوَالِدَيْنِ يُعْطِي طِفْلَهُ كَدَفْعٍ لِوَحْشٍ، مَعَ الْعِلْمِ الْيَقِينِ بِأَنَّهُ شِرِّيرٌ؟
فَجْأَةً، تَرَدَّدَ صَوْتُ شَيْنِ فِي ذِهْنِهَا، قَاطِعًا حَالَةَ الشُّرُودِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا. "نِيكُولُ، لَقَدْ كُنْتِ فِي وَضْعٍ وَاحِدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ دَقَائِقَ الْآنَ. لِمَاذَا؟" طَالَبَ عَبْرَ رَابِطِهِمَا الذِّهْنِيِّ.
اِنْتَفَضَتْ نِيكُولُ مُرْتَاعَةً، وَحَاوَلَتْ غَرِيزِيًّا الِانْسِحَابَ إِلَى إِحْدَى الزَّوَايَا الْمُظْلِمَةِ.
"تَوَقَّفِي هُنَا," أَمَرَ شَيْنِ، وَكَانَ صَوْتُهُ يَنْضَحُ قُوَّةً اِنْدَفَعَتْ فِيهَا مِثْلَ الْكَهْرَبَاءِ، مُجَمِّدَةً إِيَّاهَا فِي مَكَانِهَا.
"لَمْ تَنْتَهِي بَعْدُ مِنَ الضُّيُوفِ. إِلَى أَيْنَ تَعْتَقِدِينَ أَنَّكِ ذَاهِبَةٌ؟" سَأَلَ بِصَرَامَةٍ.
اِسْتَدَارَ رَأْسُ نِيكُولَ، تَبْحَثُ عَنْهُ فِي الْغُرْفَةِ. "لَكِنَّنِي تَحَدَّثْتُ إِلَى كُلِّ شَخْصٍ مُهِمٍّ، تَمَامًا كَمَا أَمَرْتَ. لَمْ يَتَبَقَّ أَحَدٌ," أَجَابَتْ عَبْرَ رَابِطِهِمَا الذِّهْنِيِّ.
"هَلْ تَجْرُؤِينَ عَلَى مُسَاءَلَتِي؟ سَأَتَنَاوَلُ ذَلِكَ لَاحِقًا," رَدَّ شَيْنِ بِنَبْرَةٍ مُهَدِّدَةٍ.
اِرْتَجَفَ جَسَدُ نِيكُولَ وَهِيَ تَبْتَلِعُ رِيقَهَا، عَالِمَةً أَنَّ "تَنَاوُلَ ذَلِكَ لَاحِقًا" يَعْنِي تَحَمُّلَ عُقُوبَةٍ قَاسِيَةٍ، رُبَّمَا أَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَطِيعُ تَحَمُّلَهُ دُونَ أَنْ تَفْقِدَ وَعْيَهَا.
"الْآنَ عُودِي إِلَى الْوَرَاءِ," أَمَرَ شَيْنِ. "لَدَيَّ بِضْعَةُ ضُيُوفٍ خَاصِّينَ مُخَبَّئِينَ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْقَطِيعِ، وَيَجِبُ التَّعَرُّفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَمُعَامَلَتُهُمْ بِأَقْصَى دَرَجَاتِ الِاحْتِرَامِ، وَمَنْحُهُمُ اِهْتِمَامًا كَامِلًا.
يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ السَّهْلِ تَمْيِيزُهُمْ بِمُجَرَّدِ وُجُودِكِ مَعَ أَعْضَاءِ الْقَطِيعِ لِأَنَّ لَيْسَ لَدَيْهِمْ نَفْسُ رَائِحَةِ الْكَرِيمْسُونِ. الْآنَ أَسْرِعِي، الْحَفْلُ عَلَى وَشْكِ الِانْتِهَاءِ، وَهُمْ غَاضِبُونَ بِالْفِعْلِ. بِالتَّأْكِيدِ لَا نُرِيدُ حَرْبًا وَفَوْضَى فِي الْكَرِيمْسُونِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟"
اِنْهَمَرَتْ مَوْجَةٌ مِنَ الْخَوْفِ عَلَى نِيكُولَ مَرَّةً أُخْرَى. كَانَتْ تَكْرَهُ عِنْدَمَا يَضْطَرُّهَا لِلِابْتِسَامِ وَتَحِيَّةِ شُرَكَائِهِ فِي الْجَرِيمَةِ. فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، كَانَتْ تَكْرَهُ عُيُونَهُمُ الْمُتَطَلِّعَةَ، وَتَعْلِيقَاتِهِمْ غَيْرَ اللَّائِقَةِ، وَالِاتِّصَالَ الْجَسَدِيَّ غَيْرَ الْمُبَرَّرِ.
اِسْتَغْرَقَتْ نَفَسًا عَمِيقًا، وَاِسْتَدَارَتْ وَأَطَاعَتْ أَمْرَ شَيْنِ.
"مَرْحَبًا لُونَا، كَيْفَ حَالُكِ؟ أَرَدْتُ فَقَطْ أَنْ أَقُولَ إِنَّنِي أَحْبَبْتُ خِطَابَكِ وَأَدَاءَكِ الْمَسْرَحِيَّ الْيَوْمَ. أَنْتِ مُدْهِشَةٌ حَقًّا وَمِنَارَةُ نُورٍ تُبَارِكُ الْكَرِيمْسُونَ. لَا يُمْكِنُنَا الِاسْتِغْنَاءُ عَنْكِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟
مَاذَا كُنَّا سَنَفْعَلُ لَوْ لَمْ تَكُونِي هُنَا؟ لَقَدْ لَاحَظْتُ مَدَى اِهْتِمَامِكِ، دَائِمًا مَا تَسْأَلِينَ عَنْ الْجَمِيعِ. أَحْسَنْتِ صُنْعًا، لُونَا," قَالَتْ اِمْرَأَةٌ مُسِنَّةٌ، رُبَّمَا فِي أواخر الْأَرْبَعِينَاتِ مِنْ عُمْرِهَا، وَهِيَ تَمْشِي بِجَانِبِهَا.
عَادَةً، كَانَتْ نِيكُولُ سَتَبْتَسِمُ بِلُطْفٍ، لَكِنَّهَا كَانَتْ مُحْبَطَةً جِدًّا هَذِهِ الْمَرَّةَ لِتَعْتَرِفَ بِهَا حَتَّى. كَانَتْ مُرْهَقَةً مِنْ كُلِّ هَذَا الْهُرَاءِ، وَسَئِمَتْ التَّظَاهُرَ بِأَنَّهَا شَخْصٌ لَيْسَتْ هِيَ. لَمْ يُعَامِلْهَا أَحَدٌ كَلُونَا، وَمَعَ ذَلِكَ تَوَقَّعُوا جَمِيعًا أَنْ تُؤَدِّيَ مَسْؤُولِيَّاتِ وَاحِدَةٍ.
"شُكْرًا," أَجَابَتْ نِيكُولُ بِاِقْتِضَابٍ وَابْتَعَدَتْ.
كَانَتِ الْمَرْأَةُ وَالْأَشْخَاصُ الْقَرِيبُونَ مُنْدَهِشِينَ تَمَامًا.
"مَا هَذَا بِحَقِّ الْجَحِيمِ، يَا نِيكُولُ؟ هَلْ أَنْتِ مَجْنُونَةٌ؟ هَلْ فَقَدْتِ عَقْلَكِ؟ الْآنَ اِسْتَدِيرِي وَاِبْتَسِمِي وَحَيِّي تِلْكَ الْمَرْأَةَ كَمَا يَنْبَغِي," صَرَخَ شَيْنِ.
تَوَقَّفَتْ نِيكُولُ فَجْأَةً، تَتَنَفَّسُ بِثِقَلٍ وَتَعَضُّ شَفَتَهَا لِتَهْدِئَةِ نَفْسِهَا. اِنْغَرَزَتْ أَظَافِرُهَا فِي رَاحَتَيْهَا، وَاِرْتَجَفَ جَسَدُهَا.
بَعْدَ لَحْظَةٍ، وَاصَلَتْ الْمَشْيَ نَحْوَ الضَّيْفِ دُونَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى الْوَرَاءِ.
تَرَدَّدَ زَئِيرُ شَيْنِ فِي ذِهْنِهَا. كَانَتْ تَشْعُرُ بِهَيْمَنَتِهِ تَنْدَفِعُ فِيهَا، مِثْلَ مَوْجَاتٍ كَهْرَبَائِيَّةٍ تَنْبِضُ تَحْتَ جِلْدِهَا، مُهَدِّدَةً بِاِسْتِهْلَاكِهَا. كَانَ مُؤْلِمًا.
كَانَ ذِئْبُهَا يَهْذِي، وَحُكْمُهُ الْغَرِيزِيُّ يُحَثُّهَا عَلَى طَاعَةِ الْأَلْفَا بِأَيِّ ثَمَنٍ. طَالَبَ بِأَنْ تَعُودَ وَتَمْتَثِلَ لِتَعْلِيمَاتِ شَيْنِ. لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ. رَكَّزَتْ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ عَدَا الْأَلَمَ الْحَارِقَ، وَتَقَدَّمَتْ إِلَى الْأَمَامِ.
"سَتَمُوتِينَ اللَّيْلَةَ!" تَرَدَّدَ زَئِيرُ شَيْنِ.
اِسْتَغْرَقَتْ نَفَسًا عَمِيقًا، وَفَصَلَتْ نِيكُولُ رَابِطَةَ قَطِيعِهَا، مِمَّا أَسْكَتَ صَوْتَ شَيْنِ فِي رَأْسِهَا بِفَعَالِيَّةٍ.
عَلِمَتْ أَنَّهَا فِي مَشْكِلَةٍ خَطِيرَةٍ. سَيُعَانِي جَسَدُهَا وَعَقْلُهَا بِلَا شَكٍّ مِنْ عَوَاقِبِ عِصْيَانِهَا اللَّيْلَةَ، لَكِنَّهَا رَفَضَتْ الْعَوْدَةَ وَالِاعْتِذَارَ لِأَفْرَادِ الْقَطِيعِ الْعَشْوَائِيِّينَ. كَانَتْ تَحْتَقِرُهُمْ. لَقَدْ غَضُّوا الطَّرْفَ عَنْ مُعَانَاتِهَا.
هَلْ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَدَّعُوا بِإِخْلَاصٍ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَرَخَاتِهَا مُعْظَمَ اللَّيَالِي؟ أَوْ غَضُّوا الطَّرْفَ عَنْ عَيْنَيْهَا السَّوْدَاوَيْنِ وَوَجْهِهَا الْمُنْتَفِخِ وَالْحُزْنِ فِي عَيْنَيْهَا؟
فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ، كَرِهَتْ نِيكُولُ كُلَّ شَخْصٍ فِي قَطِيعِ الْكَرِيمْسُونِ وَأَرَادَتْ فَقَطْ أَنْ تُتْرَكَ وَحْدَهَا.
عِنْدَمَا اِقْتَرَبَتْ مِنْ قِسْمِ الضُّيُوفِ، اِعْتَمَدَتْ عَلَى غَرَائِزِهَا لِتَقُودَهَا إِلَى أَوَّلِ ضَيْفٍ خَاصٍّ. كَانَتْ اِمْرَأَةً شَقْرَاءَ أَنِيقَةً تَرْتَدِي فُسْتَانًا مُلْفِتًا، تُشْبِهُ ضَيْفًا فِي حَدَثٍ لِلْمُوضَةِ أَوْ حَفْلَةٍ.
بِاِبْتِسَامَةٍ مُفْتَعَلَةٍ، جَلَسَتْ نِيكُولُ بِجَانِبِهَا.
"مَرْحَبًا، كَيْفَ حَالُكِ؟ هَلْ تَمَتَّعْتِ بِالْفَعَالِيَّاتِ؟" سَأَلَتْ بِلُطْفٍ.
اِزْدَرَتِ السَّيِّدَةُ، وَوَضَعَتْ سَاقًا فَوْقَ سَاقٍ طَوِيلَتَيْنِ، وَفَحَصَتْ أَظَافِرَهَا الْمُقَلَّمَةَ.
"أَرَى أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُبْقِيكِ فِي الْجِوَارِ," عَلَّقَتْ، وَهِيَ لَا تَكَادُ تَعْتَرِفُ بِنِيكُولَ. "حَسَنًا، لَقَدْ كَانَتْ مُنْعَطَفًا مُثِيرًا لِلِاهْتِمَامِ لِلْغَايَةِ. أَخْبِرِي الْفَاكِ أَنَّ قَطِيعِي قَدْ لَاحَظَ. نَحْنُ عَلَى عِلْمٍ، لَكِنَّنَا لَنْ نَدْعَمَ ذَلِكَ حَتَّى نَرَى كَيْفَ سَيَتَكَشَّفُ هَذَا.
يَجِبُ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّ الْفَا دَارْكِ مُونِ هُوَ الْكِيَانُ الْأَكْثَرُ مَكْرًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. بِالنِّسْبَةِ لَنَا، هَذَا لَيْسَ عَرْضًا لِلْقُوَّةِ بَلْ مُخَاطَرَةً خَطِيرَةً. عَلَى أَيِّ حَالٍ، إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ تَنْفِيذِ ذَلِكَ وَقَتْلِ لِيَامِ هَالُوزِ، فَسَوْفَ نُوافِقُ، وَيُمْكِنُهُ الْحُصُولُ عَلَى كُلِّ الْقُوَّةِ الَّتِي يُرِيدُهَا."
خَفَقَ قَلْبُ نِيكُولَ بِشِدَّةٍ. كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا كَانَ حَفْلَ تَرْحِيبٍ لِأَلْفَا دَارْكِ مُونِ، وَهُوَ أَيْضًا أَخْطَرُ ذِئْبٍ. لَكِنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُدَبِّرُونَ اِغْتِيَالَهُ أَيْضًا.
"الْأَسْرَعُ أَفْضَلُ. لَنْ يُوَافِقَ قَطِيعِي إِلَّا إِذَا تَمَّ الِاعْتِنَاءُ بِهِ فِي أَقْرَبِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ. يَجِبُ أَنْ يَحْدُثَ ذَلِكَ بَيْنَمَا لِيَامِ لَا يَزَالُ غَيْرَ مُشْتَبِهٍ وَمُشَتَّتِ الذِّهْنِ بِفَوْزِهِ. بِمُجَرَّدِ مُغَادَرَتِهِ الْكَرِيمْسُونَ، سَيُصْبِحُ لَا يُمْكِنُ الْمَسَاسُ بِهِ، وَسَيَفْقِدُ شَيْنِ دَعْمَنَا."
اِبْتَلَعَتْ نِيكُولُ رِيقَهَا بِصُعُوبَةٍ، وَجَمَعَتْ قُوَّتَهَا، وَاِنْتَقَلَتْ إِلَى الضَّيْفِ التَّالِي.
رَدَّدُوا نَفْسَ الْمَشَاعِرِ. أَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَمُوتَ الْفَا لِيَامِ قَبْلَ مُغَادَرَتِهِ الْكَرِيمْسُونَ. كَانَ الْأَمْرُ كَمَا لَوْ أَنَّهُ حُكْمٌ بِالْإِعْدَامِ.
نَقَلَتْ الْمَعْلُومَاتِ إِلَى شَيْنِ بِسُرْعَةٍ وَاِخْتَفَتْ عَنْ الْأَنْظَارِ بِتَكَتُّمٍ. لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُفَسِّرَ لِمَاذَا شَعَرَتْ وَكَأَنَّهَا تَخُونُ لِيَامِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ قَاسِيًا مَعَهَا وَرُبَّمَا أَسْوَأَ مِنْ زَوْجِهَا.
وَفِيمَا كَانَتْ تَشُقُّ طَرِيقَهَا خَارِجَ قَاعَةِ الْقَطِيعِ، مُتَّجِهَةً نَحْوَ غُرْفَتِهَا فِي مَنْزِلِ الْقَطِيعِ، اِعْتَرَضَهَا لِيَامِ مَرَّةً أُخْرَى.
"إِلَى أَيْنَ تَعْتَقِدِينَ أَنَّكِ ذَاهِبَةٌ؟" سَأَلَ لِيَامِ، وَكَانَ صَوْتُهُ يُرْسِلُ رَعَشَاتٍ فِي عَمُودِهَا الْفِقْرِيِّ حَيْثُ تَرَدَّدَتْ فِي ذِهْنِهَا ذِكْرَيَاتُ لَيْلَتِهِمَا الْحَافِلَةِ بِالْمُتْعَةِ.
"مَاذَا تُرِيدُ؟" سَأَلَتْهُ.
ضَحِكَ بِخُبْثٍ، كَاشِفًا عَنْ أَسْنَانِهِ الْمُثَالِيَةِ. اِسْتَنْشَقَتْ بِحِدَّةٍ، مُسْتَذْكِرَةً إِحْسَاسَ فَمِهِ عَلَى حَلَمَاتِ ثَدْيَيْهَا.
"الْحَفْلُ لَمْ يَنْتَهِ بَعْدُ، يَا نِيكُولُ," أَخْبَرَهَا، مُرَاقِبًا الْمُتْعَةَ وَهِيَ تَنْبِضُ فِيهَا لَدَى ذِكْرِ اِسْمِهَا.
"مَا لَمْ تَكُونِي سَتُعَبِّئِينَ أَشْيَاءَكِ وَتَتْبَعِينَنِي إِلَى الْمَنْزِلِ، لَا أَرَى سَبَبًا لِمُغَادَرَتِكِ."
مُفَاجِئَةً نَفْسَهَا، سَخِرَتْ نِيكُولُ وَطَوَتْ ذِرَاعَيْهَا.
"هَلْ هَذَا كُلُّ مَا لَدَيْكَ لِتَقُولَهُ؟ مَا أَكْثَرَهُ مِنْ أَمْرٍ مُبْتَذَلٍ... اِسْمَعْ، لَقَدْ اِكْتَفَيْتُ اللَّيْلَةَ. أَنْتَ لَسْتَ مُتَأَكِّدًا حَتَّى مِمَّا إِذَا كُنْتَ سَتَخْرُجُ مِنْ هُنَا حَيًّا-"
اِتَّسَعَتْ عَيْنَا نِيكُولُ، وَسَرِيعًا مَا وَضَعَتْ يَدَيْهَا عَلَى فَمِهَا، مُدْرِكَةً هَفْوَتَهَا.
"مَاذَا؟" زَأَرَ لِيَامِ، وَكَانَتْ هَيْمَنَتُهُ تَطْغَى عَلَى شَيْنِ. الْقُوَّةُ الْخَالِصَةُ لِذَلِكَ أَرْسَلَتْهَا تَتَرَاجَعُ إِلَى الْوَرَاءِ.
اِنْدَفَعَتْ يَدَاهُ وَأَمْسَكَتْ بِهَا، وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ مُرْتَعِبَةً، إِلَّا أَنَّ لَمْسَتَهُ أَرْسَلَتْ مَوْجَةً مِنَ الْمُتْعَةِ مُبَاشَرَةً إِلَى لُبِّهَا.
"مَاذَا. قُلْتِ. قَبْلَ قَلِيلٍ؟"
اِرْتَجَفَ جَسَدُ نِيكُولَ. عَضَّتْ عَلَى شَفَتِهَا وَقَاوَمَتْ الرَّغْبَةَ فِي الْكَشْفِ عَنْ كُلِّ مَا سَمِعَتْهُ. هُوَ لَيْسَ الْفَاكِ، ذَكَّرَتْ نَفْسَهَا. اِشْتَعَلَ الْغَضَبُ فِي عَيْنَيْهِ، مِمَّا ضَاعَفَ خَوْفَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ. وَمَعَ ذَلِكَ، لَمْ تَسْتَطِعْ خِيَانَةَ الْفَا وَزَوْجِهَا.
بَعْدَ لَحْظَةٍ، اِبْتَسَمَ بِخُبْثٍ، وَكَانَتْ عَيْنَاهُ تَتَلَأْلَآنِ وَكَأَنَّهُ يَعْرِفُ تَمَامًا عَمَّا كَانَتْ تَتَحَدَّثُ. رَمَشَتْ نِيكُولُ وَاِبْتَلَعَتْ رِيقَهَا، وَهِيَ تَشْعُرُ بِحَرَارَةِ يَدَيْهِ عَلَى خَصْرِهَا حَيْثُ اِنْغَرَزَتْ أَصَابِعُهُ فِي جِلْدِهَا النَّاعِمِ.
فَجْأَةً، جَذَبَهَا إِلَى صَدْرِهِ الصُّلْبِ، مُحْتَضِنًا خَصْرَهَا بِلُطْفٍ وَهُوَ يَشُمُّ عُنُقَهَا.
"سَأَجْعَلُكِ تَتَكَلَّمِينَ، يَا نِيكُولُ. إِنَّهَا مَسْأَلَةُ وَقْتٍ فَقَطْ. قَرِيبًا، سَتُغَنِّينَ لِي، تَمَامًا كَمَا فَعَلْتِ قَبْلَ لَيْلَتَيْنِ. لَكِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ فِي قَصْرِي."
ذَكَّرَتْ نِيكُولُ نَفْسَهَا بِأَنْ تَتَنَفَّسَ وَهِيَ تَرْتَعِشُ بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ. وَجَدَ لِسَانُهُ بُقْعَةً فِي قَاعِدَةِ عُنُقِهَا، وَهُوَ إِحْسَاسٌ لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَلَعِقَهَا. عَلَى الْفَوْرِ، تَحَوَّلَتْ سَاقَاهَا إِلَى هُلَامٍ، وَذَابَ جَسَدُهَا بَيْنَ قَبْضَتَيْهِ. تَنَهُّدَةٌ لَطِيفَةٌ اِنْطَلَقَتْ مِنْ شَفَتَيْهَا وَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى.
اِلْتَفَّتْ يَدَاهَا غَرِيزِيًّا حَوْلَ عُنُقِهِ.
ضَحِكَ بِخُبْثٍ.
"سَأَعُودُ," قَالَ، وَهُوَ يَنْفَصِلُ عَنْهَا وَيَتَحَرَّكُ بِسُرْعَةٍ بَالِغَةٍ بِحَيْثُ بَدَأَتْ تَتَسَاءَلُ عَمَّا إِذَا كَانَ كُلُّ مَا اِخْتَبَرَتْهُ كَانَ مُجَرَّدَ هَذَيَانٍ.
















