لِمَ يقول ذلك؟ كانت مشاعري تجاه فيليكس حقيقية، ومشاعره نحوي كانت كذلك. لا يمكنه محو كل ذلك بعبارة عابرة عن طيش المراهقة.
"كان الأمر حقيقياً يا تومي". لم أدرك مدى قسوة نبرتي إلا حين اتسعت عيناه قليلاً وتراجع خطوة إلى الوراء.
"يا إلهي"، رفع يديه مدافعاً، "آسف يا فلورا. لم أقصد الهجوم على علاقتكما".
"أنا الآسفة"، تمتمتُ بصوت خافت.
"ما الذي حدث معه إذن؟"
بللتُ شفتيَّ قبل الإجابة. "نحن، ممم..." تنهدتُ. "الحياة أخذت مجراها، أظن ذلك".
قطب جبينه، لكنه لم يضغط عليَّ أكثر. ما الذي حدث حقاً؟ كيف يمكنني اختزال الأمر في جملة واحدة، أو تفسير مقتضب؟ وكيف سأشرح الأمر لفيليكس دون أن أقلب حياتي رأساً على عقب؟
تشاركتُ أنا وتومي سيجارة قبل العودة إلى المنزل. كنت قد بدأت التدخين منذ بضعة أشهر. لم أكن أرغب في ذلك، لكن الأمر تحول من التدخين معه أحياناً إلى شراء علبة خاصة بي. كنت أعلم أنه لا ينبغي عليَّ فعل ذلك، لكن لا بأس، فلم أكن أرغب في أن أعيش طويلاً على أية حال.
كافحتُ لحمل أكياس البقالة إلى شقتي وحدي، وعرض تومي المساعدة، لكنني اضطررت للرفض. فوالدي سيطرح الكثير من الأسئلة، وسيختلق قصة ما حول ممارستي للجنس مع تومي مقابل المال، أو شيئاً جنونياً من هذا القبيل.
بعد أن صعدتُ أخيراً، بدأتُ في إفراغ أكياس البقالة ورصها في ثلاجتنا الصغيرة، والباقي في الخزانة الضيقة التي نطلق عليها اسم "المؤونة". كان بإمكاني سماع صوت التلفاز يصدح في الخلفية بينما كان أبي يشاهد مباراة كرة سلة.
"هل تعدين العشاء؟" صرخ من غرفة المعيشة.
"نعم"، صرختُ رداً عليه. "بضع دقائق يا أبي".
لم يُجب، ولكن بعد ثوانٍ معدودة، رأيته يدخل المطبخ. التقط زجاجة ماء من الثلاجة وتجرع نصفها تقريباً. التفت إليَّ وبدأ يفتش في أكياس البقالة البنية الموجودة على المنضدة. لم أُعره انتباهاً كبيراً، ظناً مني أنه يبحث عن شيء ما.
"أين سجائري؟"
يا للمصيبة.
ارتفع رأسي فجأة لألتقي بنظراته. "أنا آسفة جداً يا أبي، لقد نسيت. سأذهب لإحضارها الآن".
تمنيتُ وتمنيتُ وتمنيتُ ألا يتفاقم هذا الخطأ الصغير الذي ارتكبته. رجوتُ وصليتُ أن يدع الأمر يمر وألا ينحدر بنا الحال إلى تلك اللحظة التي يثور فيها غضباً لسبب تافه، وأحياناً دون سبب واضح على الإطلاق.
"أنتِ غبية لعينة يا فلورا". مد يده وأمسك بشعري، لافاً أصابعه حول خصلاته بقوة. أصدرتُ أنيناً خافتاً. "أبي"، همستُ. "أنا آسفة. نسيت. لم أقصد ذلك، أقسم لك".
اشتدت قبضته فأطلقتُ صرخة ألم مكبوتة. "أعرف سبب نسيانك"، قال بفحيح غاضب. كانت رائحة الكحول تفوح من أنفاسه؛ رائحة الويسكي الرخيص الذي اعتاد شربه دائماً. "لأنكِ كنتِ تمارسين العهر مع ابن الجيران اللعين. تفتحين ساقيكِ له، هاه؟" كانت نبرته قاسية، وكلماته أشد قسوة. "أنتِ تعشقين كونكِ فاجرة، أليس كذلك؟ أنتِ مثل أمكِ تماماً. تمنحين جسدكِ لأي سافل يعطيكِ قرشاً مقابله".
"لا تتحدث عن أمي هكذا"، قلتُ له. كان بإمكاني تحمل كل الإهانات التي يرميني بها. لم أكن أبالي إن نعتني بالعاهرة أو الفاجرة أو أياً كان. لكن لا يحق له قول ذلك عن أمي. ليس بعد أن منحته كل شيء. وخصوصاً ليس الآن. لا يحق له تدنيس ذكراها وعدم احترامها بتلك الطريقة. فهي لا تستحق ذلك.
لم أرَ اللكمة آتية، لكنني شعرتُ بها. آه، كم شعرتُ بها. انثنيتُ من الألم، ممسكة بعيني، وما زلتُ أشعر بوقع قبضته عليها. شعرتُ بعيني تنبض وجعاً. كان الألم شديداً، شديداً جداً. لم يكد الألم يهدأ، حتى أمسك أبي بذراعي، منتزعاً إياها عن وجهي، وسالباً مني القدر الضئيل من الراحة التي كانت تمنحني إياها. لواها خلف ظهري، وجذبني نحوه بقسوة، حتى صار يزمجر في وجهي: "إياكِ والرد عليَّ أيتها اللعينة".
كانت عيني اليمنى تنبض بالألم. بالكاد كنت أرى شيئاً؛ مجرد جسيمات ضوئية صغيرة تتراقص، كأنني أرى نجوماً حرفياً، يغلفها ضباب أسود. عرفتُ أنها ستتحول إلى كدمة. سأضطر لاختلاق عذر آخر بشأنها. كم من مساحيق التجميل سأحتاج لوضعها؟ وكم من الكدمات يمكنني إخفاؤها؟
أفلت أبي ذراعي ودفعني بعيداً فجأة، فارتطم وركي بالمنضدة بصوت مكتوم. رائع، إصابة أخرى. أمسكتُ وركي بيدي اليمنى، وعيني باليد الأخرى. التقط أبي أقرب شيء وجده، وكان كوباً من الماء، وقذفه على الأرض مهشماً إياه. "تباً!"
















